الجسيمات النانوية: تحوّل أنظمة توصيل الدواء والتقنيات الحديثة

في السنوات الأخيرة، أصبحت تقنية النانو من أكثر المجالات العلمية تطورًا وجذبًا لاهتمام الباحثين في تخصصات متعددة مثل الصيدلة، هندسة المواد، علم الأحياء والفيزياء. ويُعدّ استخدام الجسيمات النانوية في أنظمة توصيل الدواء الحديثة والعلاج الموجّه من أكثر فروع هذه التقنية إثارةً وأهمية. الجسيمات النانوية هي جسيمات متناهية الصغر يتراوح حجمها عادةً بين 1 و100 نانومتر، وتتميّز بخصائص فيزيائية وكيميائية فريدة. وقد أدّت هذه الخصائص إلى توسيع نطاق استخدام الجسيمات النانوية في مجالات الطب، الصيدلة الحديثة، التكنولوجيا الحيوية، الإلكترونيات، علم المواد وحماية البيئة.

يرجع أصل مصطلح «نانو» إلى اللغة اليونانية القديمة ويعني «القزم»، ثم انتقل إلى اللاتينية ليشير إلى معنى «الصِغر الشديد». وفي النظام الدولي للوحدات (SI)، يدلّ البادئ «نانو» على جزء من مليار (10⁻⁹)، وهو الأساس الذي يقوم عليه مقياس النانو. وعند هذا المقياس، تُظهر المواد سلوكيات تختلف عن حالتها التقليدية، وتشمل هذه السلوكيات الخصائص الميكانيكية والكهربائية والحرارية والكيميائية للمواد النانوية، نتيجةً للتأثيرات الكمية وارتفاع نسبة المساحة السطحية إلى الحجم في الجسيمات النانوية.

تعريف الجسيمات النانوية وأهميتها في الصيدلة

تُعرَّف الجسيمات النانوية الدوائية بأنها حوامل دوائية صلبة دون الميكرونية. تتميز بقدرتها على احتواء الدواء وتمكين الإطلاق المتحكم فيه. كما تُسهم في زيادة ذوبانية الدواء وتحقيق الاستهداف الدقيق لأنسجة أو خلايا محددة.

تنقسم هذه الجسيمات عادةً إلى نوعين رئيسيين. النوع الأول هو النانوسفيرات، حيث يتوزع الدواء بشكل متجانس داخل المصفوفة البوليمرية. أما النوع الثاني فهو النانوكبسولات، حيث يكون الدواء محصورًا داخل تجويف. ويُحاط هذا التجويف بغشاء بوليمري واقٍ.

يتيح التصميم البنيوي المميّز لهذه الأنظمة تحميل الأدوية المحبة للماء والكارهة للماء. لذلك تُعد هذه الجسيمات مناسبة لتطبيقات الصيدلة وتوصيل الدواء الموجّه.

تصنيف الجسيمات النانوية

تُصنَّف الجسيمات النانوية من حيث الأبعاد والبنية إلى ثلاث فئات رئيسية .تشمل الجسيمات النانوية أحادية البعد (1D) الأغشية الرقيقة والأسطح النانوية. تُستخدم هذه الجسيمات على نطاق واسع في الإلكترونيات والكيمياء وهندسة المواد.   ومن تطبيقاتها الخلايا الشمسية والمستشعرات الكيميائية والبيولوجية والأنظمة البصرية. أمّا الجسيمات النانوية ثنائية البعد (2D)، فأشهر أمثلتها أنابيب الكربون النانوية. تتكوّن هذه الأنابيب من تراكيب سداسية من ذرات الكربون. يبلغ قطرها نحو 1 نانومتر، وقد يصل طولها إلى 100 نانومتر. وتتميّز بخصائص ميكانيكية وكهربائية فريدة. من أهم هذه الخصائص المتانة العالية والتوصيل الكهربائي الممتاز. لذلك تُعد مناسبة لتطبيقات الإلكترونيات النانوية. تشمل الجسيمات النانوية ثلاثية الأبعاد (3D) الفوليرينات والدندريمرات. الفوليرينات هياكل كروية من الكربون تشبه كرة القدم. أمّا الدندريمرات فهي بوليمرات متفرعة ذات بنية متحكَّم بها. تُستخدم هذه المواد غالبًا في توصيل الدواء الموجّه والتصوير الطبي.

إضافةً إلى ذلك، تُعدّ النقاط الكمومية (Quantum Dots) جزءًا مهمًا من تصنيف الجسيمات النانوية. وهي جسيمات نانوية شبه موصلة يتراوح حجمها بين 2 و10 نانومترات، وتتميّز بخصائص بصرية وإلكترونية فريدة، وتُستخدم في اختبارات الحمض النووي السريعة، والتصوير الطبي، وهندسة الأنسجة.

طرق تحضير

توجد عدة طرق لإنتاج الجسيمات النانوية الدوائية، ويُختار الأسلوب المناسب بناءً على الخصائص الكيميائية للبوليمر ونوع الدواء المستخدم. ومن أبرز هذه الطرق: طريقة الاستحلاب–تبخير المذيب، طريقة الاستحلاب المزدوج، طريقة الفصل بالملح (Salting Out)، طريقة انتشار المذيب، وطريقة الترسيب بالمذيب، وجميعها تُستخدم على نطاق واسع في تحضير الجسيمات النانوية البوليمرية والدوائية.

خصائص وطرق توصيفها

تُقيَّم الجسيمات النانوية عادةً من حيث الحجم، والشكل، والشحنة السطحية. وتشمل أدوات التحليل الرئيسية المجهر الإلكتروني الماسح (SEM)، والمجهر الإلكتروني النافذ (TEM)، ومجهر القوة الذرية (AFM). ويؤثّر حجم الجسيمات النانوية تأثيرًا مباشرًا في الاستقرار الفيزيائي، وسرعة تحرر الدواء، وتوزيعه داخل الجسم.

مزايا في توصيل الدواء

يوفّر استخدام الجسيمات النانوية في أنظمة توصيل الدواء النانوي مزايا عديدة، من بينها زيادة التوافر الحيوي للدواء، تقليل الجرعة المطلوبة، التحكم في إطلاق الدواء، تحقيق التوصيل الموجّه، الجمع بين التشخيص والعلاج (الثيرانوستكس)، وزيادة استقرار الأدوية الحساسة للعوامل البيئية.

عيوب ومخاطر

على الرغم من الإمكانات الكبيرة للجسيمات النانوية، إلا أنها قد تنطوي على بعض المخاطر. فقد تؤدي جسيمات ثاني أكسيد التيتانيوم النانوية وأنابيب الكربون النانوية إلى التهابات رئوية أو سمّية خلوية، كما يمكن لبعض الدندريمرات أن تُلحق أضرارًا بأغشية الخلايا.

تطبيقات في مختلف المجالات العلمية

تُستخدم الجسيمات النانوية على نطاق واسع في مجالات متعددة، تشمل الطب، الصيدلة، الصناعات التجميلية، علم المواد، الصناعات الغذائية، حماية البيئة، الطاقة، الإلكترونيات، والعلوم الزراعية.

آفاق مستقبل الجسيمات النانوية

تُعدّ تقنية النانو والجسيمات النانوية من الركائز الأساسية لتطوير الطب الشخصي والعلاج الموجّه. ومن المتوقع أن يسهم التقدم المستمر في الأنظمة النانوية في تحسين فعالية العلاجات وتقليل الآثار الجانبية.

الجسيمات النانوية:

اقرأ المزيد: